الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد..
الإيمان بالأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام – ركن من أركان الإيمان كما بينه ربنا في القرآن، فقال : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)[البقرة: 285].
فلا يستقيم إيمان إنسان حتى يؤمن بالأنبياء جميعاً، وتصديقهم ومحبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم التعظيم اللائق بهم دون الغلو في إطرائهم،
وهذا الإيمان يقتضي أن نوقرهم ونكرمهم ولا نؤذيهم أحياءً كانوا أو أمواتاً.
قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ..)[الفتح: 8-9].
الله يأمرنا بتوقير النبي وتعظيمه وتقديسه، وهكذا الحال مع كل الأنبياء، (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ).
ولا يجوز أبداً أن نؤذي نبياً من أنبياء الله حياً كان أو ميتاً،
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)[الأحزاب: 69].
الأنبياء خط أحمر، فأنتبه!!
لا يجوز المساس بهم، وتوقيرهم أمر لازم على كل مسلم، وإيذاؤهم شرٌ كبير، وإثمٌ عظيم،
فالأنبياء معصومون مكرمون شرفهم الله وفضلهم، وحفظ عليهم أعراضهم، حتى أنه سبحانه حرم على الأرض أن تأكل أجسامهم،
كما قال : (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)[رواه النسائي وابن ماجه، وصححه الألباني].
مسلسل "يوسف الصديق"
إذا بالشيعة الرافضة تبث عقائدها المزيفة من خلال قاعدة إعلامية ضخمة، فبدئوا بإنتاج المسلسلات الدينية التي تحكي قصص الأنبياء.. وكانت الصاعقة أن جاءوا بالمثلين والممثلات ليجسدوا أدوار الأنبياء.. مسلسلات كثيرة عن الأنبياء.. مريم المقدسة.. إبراهيم .. وأخيراً: "يوسف الصديق" الذي أبهر العالم الإسلامي.
مسلسلات إيرانية إذا بها تدبلج باللغة العربية.. لا من أجل سواد عيون العرب، ولكن لهدف معين.. تخريب العقائد الإسلامية!
"يوسف الصديق" مسلسل بلغت مدة تصويره 4 سنوات من 2004م إلى 2008م.
مسلسل يحكي قصة يوسف لا من منطلق قرآني، ولكن من منظور إيراني.
في هذا المسلسل يجسدون شخصيات الأنبياء.. ممثل ينتحل شخصية يعقوب , وآخر يحاكي يوسف ، ووصل الأمر إلى أن جسدوا أمين السماء جبريل !!
نهيك عن التزوير والتلفيق والتدليس في سيناريو القصة.. أتوا بالإسرائيليات والعجائب والغرائب، وبدئوا يبثون معتقدهم الفاسد.
فيوسف يأمر بالخمس للنجاة من القحط!! وكأنه يوسف (الخميني) لا يوسف النبي!!!
ويوسف يضع القميص على وجه امرأة العزيز (زليخاء) ليرتد إليها بصرها، وتعود شابة مرة أخرى فيتزوجها!!
من أين أتوا بهذا الكلام؟ إن النص القرآني قطع العلاقة بإمرة العزيز بعد أن اعترفت للملك ببراءة يوسف ،
(قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُعَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)[يوسف: 51].
وجاء المسلسل بهدية لليهود والصهاينة عندما أطلق على عائلة يعقوب اسم الكنعانيين، وهذه شهادة سيفرح بها ويهلل لها الصهاينة!!
والصحيح أنهم عبرانيون سكنوا أرض كنعان بعد أن ارتحل جدهم إبراهيم .
ثم جاءت المفاجأة في الحلقة الأخيرة، وهي التبشير بالمهدي الذي يدعونه المخلص!!
من أين جاءوا بهذا الكلام؟ هذه بعض المغالطات التي وقفت عليها، وإلا أنا لم أشهاد المسلسل حتى أعلق على ما فيه من أخطاء، إذ هو بمجمله خطأ.
الله يقول عن نفسه: (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)[الأعراف: 7]، وهؤلاء من الغائبين الذين لم يحضروا هذه القصة، لماذا يقصون على الناس بجهل وافتراء وكذب وتزوير؟
قصص الأنبياء لابد أن يكون كله حقاً، كما قال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)[آل عمران: 62].
وقصة يوسف لا تحتاج إلى مزايدة في السيناريو.. أو ربط أحداث.. أو توضيح وقائع، فهي القصة الوحيدة التي نزلت كاملة مترابطة مسلسلة في سورة واحدة على عكس باقي القصص.
فبعد سب الشيعة للصحابة وتطاولهم على أمهات المؤمنين، إذ بالحلقة الثانية من مسلسل الشيعة (سب الأنبياء) ولكن سب دبلوماسي! وانتقاص مقنع! وسخرية مهذبة! حتى إذا لامهم البعض، قالوا: نحن ندافع عن الأنبياء.. نجلي قصصهم للمسلمين.. المسلمون لا يقرئون وهم أحوج بهذه الأعمال الدرامية!! وكأن الغاية نبيلة، والهدف شريف، وليس عليهم ذنب في ذلك!!
ولكن الهدف أثيم، والغاية دنيئة.. هدفهم إزالة قدسية الأنبياء من نفوس المسلمين.. يأتوا برجل عادي يحاكي شخصية نبياً.. رجل ربما في فيلم أو مسلسل قبله كان زنديقاً عربيداً فاسداً، واليوم هو نبي طاهر مكرم، وغداً سيكون سكيراً إباحياً فاسقاً!! والولد الصغير يشاهد هذا بأم عينه.. مرة يرى النبي في حضن امرأة! ومرة يراه يشرب الخمر!
فلا شك أن تسقط قدسية هذا النبي عنده، حتى لو افترضنا جدلاً أن هذا الممثل أتقى الأتقياء، فمن هذا الذي يحاكي نبي من أنبياء الله اصطفاه الله من خلقه وفضله واعتنى به؟ ومن هذا الذي يحاكي مَلك من الملائكة فضلاً عن جبريل ؟ وهل رءوا يوسف حتى يحاكوه؟ وهل رءوا جبريل حتى يمثلوه؟
لماذا نريد تشويه صورة الأنبياء في مجتمعنا الإسلامي؟!
لقد تعدى الأمر إلى أن اشترت هذا المسلسل إحدى القنوات المصرية على قمر نايل سات لتبثه ليل نهار داخل بيوت المسلمين المصريين!
فالأمر جد خطير.. كيف يجرئون على تجسيد الأنبياء والمرسلين والملائكة، إذا كان تجسيد الأشخاص العادين أمر محظور في الشرع، فهذه عائشة - رضي الله عنها - حاكت عند رسول الله إنساناً، فقال: (ما أحب أني حكيت إنساناً، و أن لي كذا وكذا)[رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].
هذا لا يجوز في حق الإنسان العادي، فكيف بأنبياء الله؟
عندما يصنعون فيلماً أو مسلسلاً عن كوكب الشرق أو العندليب الأسود لزاماً عليهم أن يستأذنوا أهلهم وذويهم، وإلا هذا اعتداء على شخصياتهم المرموقة، فما بالك بالأنبياء والمرسلين؟!
الله حرم على الشيطان أن يجسد شخصية الأنبياء في الرؤى والأحلام، قال : (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي)[متفق عليه]، الشيطان لا يقدر أن يُمثل أو يُحاكي النبي ، وكذلك كل الأنبياء، (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)، فكيف بالبشر يتمثلوا بالأنبياء ويحاكوهم ويجسدوهم، ويسيرون على خطى الغرب الكافر، كما قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه) قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن!)[متفق عليه].
الغرب يصنع مثل هذه الأفلام والمسلسلات، عندهم (آلام المسيح) و(شفرة دافنشي).. وغيرها، فما المانع من صناعة مسلسل عن يوسف وموسى ومريم؟
بل تطور الأمر عن الشيعة أن صنعوا فيلماً كرتونياً للأطفال يجسدون فيه صوت النبي محمد ، وصوت جبريل وميكائيل، بل وصوت رب العالمين، والعياذ بالله!!
خلاصة القول: أنه لا يجوز تجسيد الأنبياء والصحابة في الدرامة، ويحرم مشاهدة هذه المسلسلات
ولله الحمد والمنة تصدى الأزهر الشريف ذو العلم المنيف لهذه المؤامرة من بدايتها منذ عام 1926م عندما شرع يوسف وهبي في تمثيل شخصية النبي في أحد الأفلام، مروراً بفيلم الرسالة لمصطفى العقاد.
وموقف الأزهر صريح وواضح أنه يحرم تمثيل الأنبياء والصحابة أو تصويرُهم أو التعْبِير عنهم بأية وسيلة من الوسائل؛ لأن درءَ المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح، فإذا كانت الثقافة تحتاج إلى خروج على الآداب فإن الضرر من ذلك يفوق المصلحة.
وفتاوى الأزهر متاحة للجميع، مثل: فتوى الشيخ حسنين مخلوف في شهر مايو 1950م، وفتوى لجنة الفتوى بالأزهر في شهر يونيه 1968م، وقرار مجمع البحوث الإسلامية في فبراير 1972م، والمؤتمر الثامن للمجمع في أكتوبر 1977م، ومجلس المجمع في ابريل 1978م، وفتوى دار الإفتاء في أغسطس 1980م للشيخ جاد الحق.
هذا غير فتاوى هيئة كبار العلماء بالسعودية، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية، وفتاوى العلماء الثقات... إلخ.
ولكن الذي أثلج صدري حقيقة، قرار مجمع البحوث الإسلامية برئاسة د. أحمد الطيب برفض هذا المسلسل (يوسف الصديق) وطالب بإلغاء بثه من هذه القناة الفضائية المصرية.
ولكن القناة ضربت بالفتوى عُرض الحائط، مما دعا الدكتور/ محمد فضل - النائب البرلماني - لتقديم طلب إحاطة إلى وزير الإعلام يطالب فيه بوقف هذا المسلسل.. ولكن لا يزال الوضع على ما هو عليه، وفي المقابل تُغلق القنوات الإسلامية الهادفة!!
كما أصدر الدكتور المفتي مشهور فواز محاجنه أستاذ الفقه وأصوله وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى بحرمة المسلسل الإيراني (يوسف الصديق) وذلك لأنّه يجسّد صورة نبي الله يوسف وصورة الوحي وهذا مما اتفق علماء أهل السنة بتحريمه.
وأكد الدكتور فواز أنه لا خلاف بين الفقهاء على حرمة تمثيل أدوار الأنبياء بأشخاصهم، ومُنطلق التحريم هو أنّ تمثيلهم ليس مطابقا للواقع كما قد يؤدي إلى إيذائهم وإسقاط مكانتهم.
وقد توصل إلى هذا الرأي عدد من المجامع الفقهية منها :هيئة كبار علماء السعودية واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية ومجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية ودار الإفتاء المصرية والعديد من علماء الأزهر
وقد استندت فتوى التحريم إلى ما يلي :
1- ما قد ينتج عن تمثيل أشخاصهم من الامتهان والاستخفاف بهم، والنَّيل منهم والإنزال لمكانتهم العالية التي وهبهم الله تعالى إياها ؛ إذ يقوم بدورهم -غالبا- أناس بعيدون كثيرا عن التدين والالتزام بأوامر الله؛ وهو ما قد يولّد السخرية من الأنبياء ، مع ما في ذلك من ظهور سبّ للأنبياء بتمثيل دور المشركين معهم.
2- أن غرض التكسب والتربح سيطغى على تقديم الصورة الصحيحة؛ وهو ما يدفع القائمين بالإنتاج والتمثيل في التلاعب في سيرتهم، والإتجار بما يناسب الربح وهو ما يكون بعيدا عن الدقة العلمية.
3- أن القدرة على تمثيل الأنبياء بأشخاصهم عمل صعب فنيا؛ إذ أنّ الله تعالى وهب الأنبياء قدرات خاصة كي يكونوا أهلا للدور المناط بهم، وهذا لا يمكن تصوره في العمل الفني.. ولا يجوز التعرض بالتمثيل لهم.
4- أن هؤلاء الكتاب والفنانين ينقصهم أدنى فنيات وأدوات كتابة التاريخ، فضلا عن كتابة سيرة الأنبياء والمرسلين .
وحذّر الدكتور المفتي الجمهور من مشاهدة المسلسل، وحذر من باب أولى من مشاهدة غيره من المسلسلات والأفلام التي تخالف الشرع والأخلاق والعادات والتقاليد
والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين..