الجواب/ الفتنة في العصر الحاضر لها وجهان : وجه ظاهر ووجه مخفي وتسمى فتنة ؛ لأن الجوانب الخفية أكثر من الجوانب الظاهرة .
ولهذا فإن المسلم يجب أن يتأنى في تقييم الأمور والحكم عليها حتى تكتمل الصورة ، ومثال ذلك : المرض الذي يعرض للإنسان فإنه لا يوصف العلاج إلا بعد الكشف الدقيق ، وتبين نوعية المرض ، وأعراض الأمراض تتشابه، ولهذا نجد كثيراً ما يعطى المريض علاجاً ولا ينتفع به ؛
لأن التشخيص كان خاطئاً إما لأن الطبيب استعجل في تحديد نوعية المرض ، وإما لأنه خفي عليه بعض جوانبه ، وإما لأن معلوماته الطبية غير كافية ... إلى غير ذلك من الأسباب .
وهكذا الفتن تتشابه ويخفى كثير من حقائقها ، ولهذا يجب التثبت والتبين قبل إطلاق الأحكام ، ولا ينبغي للإنسان أن يصغي لكل من يتكلم في الفتن ، فإن كثيراً منهم لا يدرك الحقيقة ولا يدرك الحكم الشرعي ،
وإنما يتحدث من خلال العاطفة أو الهوى ، وغوغاء الناس يميلون إلى من يداعب عواطفهم ، ويهيج مشاعرهم وهذا لضعف التربية الدينية ، والتربية العقلية ، ولهذا فإن المسلم ينبغي له في مثل هذه الظروف أن يكون له الموقف الآتي :
01 أن يرجع إلى أهل العلم الذين يتحلون بالعلم الشرعي والحكمة في معالجة الأمور والتثبت ، قال – تعالى- : " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم...الآية "[النساء:83]
فالله – عز وجل – يوجه المؤمنين إلى أن يرجعوا في التحقق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإلى أهل العلم الذين لديهم خاصية الاستنباط أي : الذين يستشفون ما وراء الأمور ولا يقفون مع الظواهر التي قد تخفى وراءها الحقيقة .
02 أن لا يتحدث في الأمور قبل أن تتضح له الحقيقة ويعلم أن الكلام بدون إدراك للحقيقة مسؤولية أمام الله – عز وجل – ولا ينخدع بكثرة الخائضين ، قال – تعالى- : " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا "[الإسراء:36].
فإن الإشاعات والأخبار الكاذبة تكثر في ظروف الفتن مما يجعل المسلم الذي يحرص على دينه يتوقف في قبول أو نقل كل ما يسمع .
03 الاشتغال بالعمل الصالح والدعوة ، ففيهما ما يشغل عن أمر الكلام فيه والسكوت عنه ، بل ربما يكون السكوت أرجح وأفضل .
04 اليقين بأن الله ناصر أولياءه ومنتقم من أعدائه ، ولكن لله – عز وجل – سنن وحكم تخفى على كثير من الناس ، وعندما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤذى ويفتن من كفار قريش ، وهو على الحق وكفار قريش على الباطل ، والبلاء قد ازداد ، والنفس تترقب نزول العقاب قال - عز وجل- :" فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين "[القلم : 44-45].
أي: لا تشغل نفسك بهم دعهم لي فإن لي سنة أعاقب من خلالها المكذبين وهي الاستدراج، واشغل نفسك بما كلفت به من الدعوة .
05 الحذر من اتهام العلماء فإنهم حملة ديننا، والطعن فيهم طعن في الدين ، ويستغل بعض السيئين بعض المواقف لينـزع الثقة منهم ، والعلماء قد تعتريهم صفات النقص البشري من جهة ، وقد يدركون ما لا ندرك ، وإن أخطؤوا مرة فقد أصابوا مرات .
وأخيراً الدعاء والتضرع إلى الله – عز وجل – أن يرفع عن الأمة ما حل بها ، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ، والله المستعان وعليه التكلان .